الاثنين، سبتمبر ١٥، ٢٠٠٨

بياع الكحل



انه يومي ويوم أطفالي يوم الشبع والضحك"الجمعة "
فقيرة أنا لا أتمكن من إحضار الخضروات والدجاج.....
إلا يوم واحد في الأسبوع ...حمدا لله علي كل ما يعطينا ...في يدي نقودي القليلة ...سأعود بدونها ولكن معي دجاجه جميله والفاصوليا :طلب ابنتي سلمي ما أجملها قالت لي جاءت الفاصوليا في الأمس بأحلامي كم أحبها يا أمي ..كانت تبتسم لي وسط الصلصه .
فسألتها :وهل تبتسم الفاصوليا يا سلمي ؟.........
سلمي : نعم يا أمي تبتسم في البداية ثم تضحك ......هل تشترين لي الفاصوليا الضاحكة يا أمي !!
نعم سأشتري الفاصوليا ونأكلها معا يا سلمي .
سلمي : وهل تستمر في الابتسام وهي في بطني يا أمي!!
نعم يا صغيرتي وسنسمعها أنا وإخوتك وهي تحدث ضجيجا في بطنك الجميل .
أه يا صغيرتي...ليتني أجد المال واصنع لك كل ما تشتهين ...............
ولكن حمدلله يكفينا أن نكون معا ..........
سوف اشتري الفاصوليا لصغيرتي أه من الصغار كل عالمهم يدور حول اللعب والطعام ....
في وجه سلمي أنسي كل همومي وتعبي في قبله سلمي يسكن الرضي جسدي المرهق من العمل الشاق............صبياني أيضا ما أجملهم.
هم أطفالي وأخوتي... ولكن سلمي لها أثر غريب في نفسي...والكل يعرف..
نرعاها أنا وصبياني الأقوياء فهي الصغيرة .
طريقي طويل إلي السوق فهو بعيد بعض الشيء ولكنه أجمل طريق تتراقص روحي علي الارصفه كعب رجلي وأصابعي ينشر بالتراب بذور القيها في طريقي وستنتج الأرض يوما أشجارا مثمره...مثمره لتطعم كل صغار الأرض الجوعي .....ما أكثرهم !!
الشمس تراقبني في انبهار من قوتي .....يحمد كل جسدي الله علي نعمته علي أنا وأولادي الثلاثة اتركهم في انتظار عودتي ومشاركتي في الطهي وتقسيم الطعام بالعدل علينا
ما أجملهم ..يرفضون بشده أن أعطيهم نصيبي من الدجاجة يصرخون في وجهي ويصرون علي تقاسم الطعام في عدل.من علمهم كل هذا ومتي !!
شارفت علي مدخل السوق ...
هيا أسرعي أسرعي يا بدريه ..طاردي الشمس يا بدريه ..هل تغار الشمس مني ومن صغاري ....... ...ربما ...
الطماطم بديعة في هذا اليوم والثوم الملائكي والبصل اللامع ...
كل الخضروات مخلوقات سعيده جدا تجلس في رضي أمام البائع ولكن لن اشتري شيئا قبل الدجاجة والفاصوليا ثم الطماطم خوفا أن تنفذ الأموال مني علي أشياء اقل أهميه ...........
بدريه وصبياني ..........مشتاقة إليكم يا أطفالي........ حفظكم الله .....في غيابي وفي طريقي إلي السوق لمحت رجل في زاوية سوقنا القديم انه بائع جديد أراه للمرة الأولي ..........بائع جديد ....!!!
لأعوام لم نري بائع جديد تري من أين أتي ومن يكون !!!
وسيم للغاية هو ومتألق يفترش فرشه من الكتان يرص عليها المرايا والبنس والحنة وأقلام الكحل..........
أه منذ أعوام لم اشتري قلم كحل لم أتزين ........ككل النساء ......عيني عليه ..واتجه نحوه بائع الكحل الجديد..........ولكن لماذا اتجه نحوه !!!
انه لا يبيع ما أريد –لن اشتري الكحل والمرايا ولا البنس ولا الحنة – أتعجب من كوني أتذكر تلك الأدوات !!!!!.
يجب أن أتجنبه .....كفاكي نظراً يا بدريه وابتعدي.........ابتعدي
انه هو من يحدق بعيوني لابد وأنه كشف رغبتي في الشراء أو الفرجة لا اعرف ماذا يتوقع ...ترقبني عيناه الجميلة........عيناه نعم ترقبني ....
في صبر واشتياق كأنه يعرفني وينتظر قدومي ...منذ أعوام .
سيدي أتوسل إليك ابعد عيناك عني فهما غلبتاني
أرجوك ....هل أبدو كصبيه في عينيك وفي عيني المارة ..أنا أم لثلاثة أطفال ..أربكني الفقر وأشقاني..............
وعجزي عن إطعام صغاري ..مات شغفي وكسرت مرآتي ..توقف عن اجتذابي بعينيك ..لابد انك تعرف كم أنت ساحر ..رفقا بي ...انظر في الجهة الأخرى فتوجد صبيه جميله ..لاحقها بعينيك ...أنا لا أليق بك ...ولا املك أموال لأشتري منك...يردد في صوت عجيب " كحل ومرايا للصبايا "
خطوات وكنت أمامه راكعة في خشوع بجسدي المتدلي فوق فرشته الجميل
لم نتكلم ....توقف عن النداء "كحل ومرايا للصبايا "
هل كان ينادي فقط لآتييه-واكتفي بي – نعم صوتك جذابا
-ولكنها عينيك من اقتلعتني من طريقي إليك..طريقي الطويل-وجوع صغاري-وأحلامهم بجمعه الطعام والشبع........
أيتها البدريه عودي لتشتري الدجاجة والفاصوليا
ابتعدي عنه ..إن الصغار جوعي ينتظرونك ........
لم اقوي علي قدمي لم اعرف طريقا لأعود
هو من اجتذبني بعيونه هو من طلب حضوري
من تكون أنت لتثنيني عن أطفالي
ترفق ببدريه أنا أم فقيرة اجتهد لأحيا وينجو الصغار من شبح الجوع
تكلم خبرني إني مخطئه وانك كنت ناظرا في اتجاه أخر-وأنا أيضا لم ألاحقك أنت قل إن بدريه كانت ترقب بائعه الليمون الجالسة بجوارك.
يا سيدي يا بياع الكحل للمرة الأخيرة أتوسل إليك أن ترحم أم وتعيدها سالمه من بحور عيونك المسالمة .
ثواني من عمري ليتها لم تنتهي ..........
اخرج بياع الكحل قلم كحله الساحر في كفه الكبير
كبير كفه أه لو أريح وجهي علي كفه الكبير !!
رفع غطاء القلم وكأنه يرفع عني خجلي ......
اقترب برقه وهدوء من عيني اليمني ودون أن يتكلم كحل عيني اليمني وحين انتهي مسح بإصبعه بعض بقايا الكحل عن رمشي وانتقل إلي العين الثانية وكأن عيوني بيته والذي يعرف كل تفاصيله منذ بداية التاريخ.............منذ متي تسكن كفوف وأصابع الرجال الرقة والدقة.
وانتهي ....وابتسم ابتسامه لم أري مثيلها إلي ألان
وكأنه أبدعني وكأنه أحياني
إن الرؤية مختلفة بعد أن كحل عيوني.....كنت أري الكون جميلا .والأن أري وجودي جميلا ومكتملا ..........
ما أجملك بياع الكحل
هل اشكره الآن علي يديه الحانية ..............
أفيقي يا بدريه خدرتك يداه وكحله.............وكل السوق ترك الفوضي والزحام والتف حولنا ليري فنان بائع الكحل الجديد...............التفافهم حولي أفزعني ......وذكرني بسلمي والفاصوليا ...............
سأنصرف ألان من أمام البياع الجميل.وكأن شيئا لم يكون ...
ومعي كيسي ونقودي ....سأشتري الفاصوليا لسلمي
نقودي أين نقودي..............!!!!!!!!!!!
أين كيسي الصغير؟
سرقوها مني .........سرقوا أموال سلمي وصغاري ......
من يقدر أن يسرق امرأة فقيرة مثلي
" منك لله " يا بياع الكحل
خدرتني إلي أن سرقوني
ظللنا نبحث معا وظللت ابكي وكاد أن يبكي البياع
عدت لأجلس مره ثانيه علي فرشته والدموع أساحت كحلي.........
ألوم نفسي وألومها وأتمني الموت علي أن أعود لصغاري بلا طعام
ماذا افعل ؟...........
اخرج بياع الكحل منديله المحني ومسح دموعي وكحلي الذي ضل طريقه علي خدي ........
رأيت دموع حبيسة في عينيه
ترفقت به ........ثم.وجدته يلم الكحل والمرايا
ويربط فرشته وظننت انه سيرحل وأردت أن أقول لا عليك لا تحزن معنا الله سنكون بخير.هو الرازق .
ولكن لم يمهلني لحظه واحده لأتكلم ترك فرشته لي
كل بضاعته الجميلة تركها لي
بعد أن رتبها وكأنه يعلمني كيف أرتبها فيما بعد ..
ربت علي كتفي في حزن عميق ...........وألم كبير
وقال " بيعي الكحل والمرايا " في السوق
لن يجوع الصغار ........تأكدي لن يجوع الصغار.
بهت كالعادة من كلماته وصوته إنها جملته الأولي
والأخيرة ..........بياع الكحل لا ترحل..........لا ترحل
تلك البضاعة هي رزقك أنت .............أرجوك لتعد كما كنت ........
أنا اعمل علي تنظيف المنازل والرزق علي الله
يا بياع الكحل فلتعود
خفت أن اترك البضاعة لألحق به فيسرقها احد المارين .............
سامح الله وعفا عن سارق كيس نقودي
في ندائي علي بياع الكحل والذي لم يلتفت لصوتي جاءت فتاه جميله
وقالت " بكام قلم الكحل "
أنا لا اعرف ولا املك تلك البضاعة ..ماذا أقول .......وافعل
مالت عليٍٍٍِِ بائعه الليمون وقالت "
" بجنيه "
خدي منها جنيه .........شكرا يا بائعه الليمون
جنيه واحد لقلم الكحل
ولا اعرف كيف قويت علي الوقوف و النداء
" كحل ومرايا للصبايا "
بحثت عنه في كل مكان سألت كل من في السوق عليه
لم يراه احد قبل اليوم ولا بعده من يومها وأنا في نفس المكان أبيع الكحل والمرايا..انتظر أن يعود ......أن اترك له فرشته العجيبة والتي أطعم من خلالها صغاري .........إن وجدتم بياع الكحل خبروه أن بدريه تنتظره في نفس المكان إلي نهاية العمر ..............وتردد
"كحل ومرايا للصبايا "
أميرة جمال